الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} كرره للتهويل. وقيل الأول لما حاق بهم في الدنيا، والثاني لما يحيق بهم في الآخرة كما قال أيضًا في قصتهم {لنذيقنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} بالإِنذارات والمواعظ، أو الرسل.{فَقالواْ أَبَشَرًا مّنَّا} من جنسنا أو من حملنا لا فضل له علينا، وانتصابه بفعل يفسره وما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء والأول أوجه للاستفهام. {واحدا} منفردًا لاتبع له أو من آحادهم دون أشرافهم. {نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ} جمع سعير كأنه عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له، وقيل السعر الجنون ومنه ناقة مسعورة.{ءَأُلْقِي الذكر} الكتاب أو الوحي. {عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} وفينا من هو أحق منه بذلك. {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} حمله بطره على الترفع علينا بادعائه إي اهـ.{سَيَعْلَمُونَ غَدًا} عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة. {مَّنِ الكذاب الأشر} الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل أصالح عليه السلام أم من كذبه؟ وقرأ ابن عامر وحمزة ورويس {ستعلمون} على الالتفات أو حكاية ما أجابهم به صالح، وقرئ: {الأشر} كقولهم حذر في حذر و{الأشر} أي الأبلغ في الشرارة وهو أصل مرفوض كالأخير.{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} مخرجوها وباعثوها. {فِتْنَةً لَّهُمْ} امتحانًا لهم. {فارتقبهم} فانتظرهم وتبصر ما يصنعون. {واصطبر} على أذاهم.{وَنَبّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم لها يوم ولهم يوم، و{بَيْنَهُمْ} لتغليب العقلاء. {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} يحضره صاحبه في نوبته أو يحضره عنه غيره. {فَنَادَوْاْ صاحبهم} قدار بن سالف أحيمر ثمود {فتعاطى فَعَقَرَ} فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها أو فتعاطى السيف فقتلها والتعاطي تناول الشيء بتكلف.{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحدة} صيحة جبريل عليه السلام. {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة لأجلها أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء، وقرئ بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها.{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُذَكّرٌ}. {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر}. {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا} ريحًا تحصبهم بالحجارة أي ترميهم. {إِلاَّ آلَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ} في سحر وهو آخر الليل أو مسحرين.{نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا} إنعامًا منا وهو علة لنجينا. {كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ} نعمتنا بالإِيمان والطاعة.{وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوط. {بَطْشَتَنَا} أخذتنا بالعذاب. {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} فكذبوا بالنذر متشاكين.{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} قصدوا الفجور بهم. {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} فمسحناها وسويناها بسائر الوجه. روي أنهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل عليه السلام صفقة فأعماهم. {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ} فقلنا لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة أو ظاهر الحال.{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً} وقرئ: {بُكْرَةً} غير مصروفة على أن المراد بها أول نهار معين. {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار.{فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} كرر ذلك في كل قصة إشعارًا بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب واستماع كل قصة مستدع للادكار والاتعاظ، واستئنافًا للتنبيه والاتعاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة، وهكذا تكرير قوله: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} ونحوهما.{وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر} اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك منهم.{كَذَّبُواْ بآياتنا كُلَّهَا} يعني الآيات التسع. {فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ} لا يغالب. {مُّقْتَدِرٍ} لا يعجزه شيء.{أكفاركم} يا معشر العرب. {خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ} الكفار المعدودين قوة وعدة أو مكانة ودينًا عند الله تعالى. {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ في الزبر} أم نزل لكم في الكتب السماوية أن من كفر منكم فهو في أمان من العذاب.{أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ} جماعة أمرنا. {مُّنتَصِرٌ} ممتنع لا نرام أو منتصر من الأعداء لا نغلب، أو متناصر ينصر بعضنا بعضًا والتوحيد على لفظ الجميع.{سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} أي الأدبار وإفراده لإِرادة الجنس، أو لأن كل واحد يولي دبره وقد وقع ذلك يوم بدر وهو من دلائل النبوة. وعن عمر رضي الله تعالى عنه: «أنه لما نزلت قال: لم أعلم ما هو فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس الدرع ويقول: سيهزم الجمع، فعلمته».{بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} موعد عذابهم الأصلي وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه. {والساعة أدهى} أشد، والداهية أمر فظيع لا يهتدي لدوائه. {وَأَمَرُّ} مذاقًا من عذاب الدنيا.{إِنَّ المجرمين في ضلال} عن الحق في الدنيا. {وَسُعُرٍ} ونيران في الآخرة.{يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِمْ} يجرون عليها. {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} أي يقال لهم ذوقوا حر النار وألمها فإن مسها سبب التألم بها، وسقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف من سقرته النار وصقرته إذا لوحته.{إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} أي إنا خلقنا كل شيء مقدرًا مرتبًا على مقتضى الحكمة، أو مقدرًا مكتوبًا في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، وكل شيء منصوب بفعل يفسره ما بعده، وقرئ بالرفع على الابتداء وعلى هذا فالأولى أن يجعل خلقناه خبرًا لا نعتًا ليطابق المشهورة في الدلالة على أن كل شيء مخلوق بقدر، ولعل اختيار النصب ها هنا مع الإِضمار لما فيه من النصوصية على المقصود.{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة} إلا فعلة واحدة وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة، أو {إِلا} كلمة واحدة وهو قوله كن. {كَلَمْحٍ بالبصر} في اليسر والسرعة، وقيل معناه معنى قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر}.{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم} أشباهكم في الكفر ممن قبلكم. {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ.{وَكُلُّ شيء فَعَلُوهُ في الزبر} مكتوب في كتب الحفظة.{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الأعمال. {مُّسْتَطَرٌ} مسطور في اللوح.{إِنَّ المتقين في جنات وَنَهَرٍ} أنهار واكتفى باسم الجنس، أو سعة أو ضياء من النهار. وقرئ {نهر} وبضم الهاء جمع نهر كأسد وأسد.{فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مكان مرضي، وقرئ: {مقاعد صدق}. {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} مقربين عند من تعالى أمره في الملك، والاقتدار بحيث أبهمه ذوو الأفهام.عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القمر في كل غب بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر». اهـ.
|